الأدب مع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
الأدب مع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم
لا يُتصور ممن يدعي حب النبي </A>ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ إلا أن تنطلق جوارحه بطاعته واتباعه ، فليس حبه ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ مجرد كلمات مدائح خالية من الاتباع والعمل ، بل باتباعه فيما أمر به ، والتأدب مع أقواله وأحاديثه ، واتخاذه ـ صلى الله عليه</A> </A>وسلم ـ قدوة في الظاهر والباطن ، والعبادات والأخلاق ، قال الله </A>تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }(الأحزاب: من الآية21)، وقال : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(آل عمران:31) ..
كان رسول الله </A>- صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ أعظم وأجَّل في نفوس الصحابة من أن يلغوا إذا تحدث ، أو ينشغلوا عنه إذا تكلم ، أو يرفعوا أصواتهم بحضرته ، وإنما كانوا يلقون إليه أسماعهم ، ويحضرون عقولهم وقلوبهم ، ويحفزون ذاكرتهم ، فعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله </A>عنه ـ في وصف حال أصحابه ـ رضوان الله </A>عليهم ـ عند سماع قوله وحديثه - صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ قال : ( وإذا تكلم أطرق جلساؤه ، كأنما على رؤوسهم الطير ، فإذا سكت تكلموا )(الترمذي) ..
وفي ذلك دلالة على السكون التام ، والإنصات الكامل من الصحابة ـ رضوان الله </A>عليهم ـ هيبة لرسول الله </A>- صلى الله </A>عليه </A>وسلم - ، وتعظيما له ، وإجلالا لحديثه ..
ومع كمال هيبة الصحابة للرسول - صلى الله </A>عليه </A>وسلم - وشدة تعظيمهم له ، لم يكونوا يترددون في مراجعته - صلى الله </A>عليه وسلم</A> - لاستيضاح ما أُشْكِل عليهم فهمه ، حتى يسهل حفظه بعد ذلك والعمل به ، ومن ذلك حديث حفصة ـ رضي الله </A>عنها ـ قالت : قال النبي </A>- صلى الله </A>عليه </A>وسلم - : ( إني لأرجو ألا يدخل النار أحد إن شاء الله </A>ممن شهد بدرا والحديبية ) ، قالت : قلت يا رسول الله، أليس قد قال الله </A>: { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً }(مريم:71) ، قال : ( ألم تسمعيه يقول : { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } (مريم:72))(ابن ماجه)..
وكانت أسئلة الصحابة ـ رضي الله </A>عنهم ـ للنبي ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ بقصد العلم والعمل ، لا الشهرة والجدال ، لِما علموا من كراهة النبي </A>- صلى الله </A>عليه </A>وسلم - للمسائل التي لا يُحتاج إليها ، ولما سمعوا من تحذيره من كثرة السؤال .. فعن الزهري عن سهل بن سعد قال : " كَرِه رسول الله </A>ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ المسائل وعابها " .
قال النووي : " .. المراد : كراهة المسائل التي لا يُحْتاج إليها ، لاسيما ما كان فيه هتك ستر مسلم ، أو إشاعة فاحشة أو شناعة على مسلم أو مسلمة .. قال العلماء: أما إذا كانت المسائل مما يحتاج إليه في أمور الدين ـ وقد وقع ـ فلا كراهة فيها " ..
وقد التزم الصحابة ـ رضوان الله </A>عليهم ـ بترك السؤال عما سكت عنه النبي </A>ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ ، فلم يتكلفوا السؤال عما سكت عنه حتى لا يؤدي السؤال عن ذلك إلى إيجاب ما لم يوجبه الشرع ، أو تحريم ما لم يحرمه ، فيكون السؤال قد أفضى إلى التضييق على المسلمين ، كما قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }(المائدة : من الآية101) .. وحذر الرسول - صلى الله </A>عليه </A>وسلم - من مثل ذلك ، فعن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله </A>عنه ـ قال : قال رسول الله </A>- صلى الله </A>عليه </A>وسلم - : ( إن أعظم المسلمين جُرْما(ذنبا) من سأل عن شيء لم يُحَّرَّم، فحُرِّم من أجل مسألته )(البخاري) .
وكان الصحابة ـ رضي الله </A>عنهم ـ إذا سمعوا شيئا من النبي </A>- صلى الله </A>عليه </A>وسلم - وحملوا عنه علما ، جلسوا فتذاكروه فيما بينهم ، تأكيدا لحفظه ، وتقوية لاستيعابه وضبطه والعمل به .. وقد بقى مبدأ المذاكرة قائما بين الصحابة حتى بعد وفاته - صلى الله </A>عليه وسلم</A> - ، فعن علي بن الحكم عن أبي نضرة قال : " كان أصحاب رسول الله </A>ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ إذا اجتمعوا تذاكروا العلم .." ..
ومن الأدب مع قوله وحديثه ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ كما يقول ابن القيم : " أن لا يُسْتشكل قوله ، بل تستشكل الآراء لقوله ، ولا يعارض نصه بقياس ، بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه ، ولا يحرف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولا ، ولا يوقف قبول ما جاء به على موافقة أحد " ..
وكذلك من الأدب مع أحاديث النبي </A>ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ معرفة قدرها ، والعمل بها ، وعدم تقديم قول أحد عليها ، فقد قال الله </A>ـ عز وجل ـ عن كلامه وحديثه ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }(النجم 3 : 4) .. ومن ثم كان أبو هريرة ـ رضي الله </A>عنه ـ إذا أراد أن يحدث عن رسول الله </A>ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ قال : " هلموا إلى ميراث نبيكم " ..
وقال مالك : " جاء رجل إلى ابن المسيب فسأله عن حديث وهو مضطجع فجلس وحدثه ، فقال له الرجل : وددت أنك لم تتعن ، فقال : إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله </A>ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ وأنا مضطجع " ..
وقال مصعب بن عبد الله </A>: كان مالك بن أنس إذا حدث عن رسول الله </A>ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ توضأ وتهيأ ولبس ثيابه ثم يحدث .. قال مصعب : فسُئِل عن ذلك فقال : إنه حديث رسول الله </A>ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ ..
وذكرالسيوطي عن الشافعي أنه روى يوما حديثا وقال إنه صحيح ، فقال له قائل : أتقول به يا أبا عبد الله </A>؟ ، فاضطرب وقال : " يا هذا أرأيتني نصرانيا ؟ ، أرأيتني خارجا من كنيسة ؟ ، أرأيت في وسطي زنارا ؟ ، أرْوِي حديثا عن رسول الله </A>ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ ولا أقول به !"..
ومن أقوال الإمام الشافعي في الأدب مع حديث وسنة النبي </A>ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ : " أجمع المسلمون على أنه من استبان له سنة عن رسول الله </A>ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ لم يحل لأحد أن يدعها لقول أحد ". وقال : " إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله </A>ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ فقولوا بقول رسول الله </A>، وهو قولي " .. وقال : " إذا صح الحديث فهو مذهبي " ، " كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله </A>ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت ، فأنا راجع عنه في حياتي وبعد موتي " .
ومن أقوال الإمام أحمد بن حنبل في ذلك : " لا تقلدني ، ولا تقلد مالكا ، ولا الشافعي ، ولا الأوزاعي ، ولا الثوري ، وخذ من حيث أخذوا " .
وقال : " من رد حديث رسول الله </A>ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ ، فهو على شفا هلكة " .
هكذا كان الصحابة ـ رضي الله </A>عنهم ـ وسلف وعلماء الأمة يتأدبون مع أحاديث النبي </A>ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ في حياته وبعد وفاته ، ولا يقدمون قول أحد على قوله إن ثبت وصح عنه ، وهذا من تمام حبه والأدب معه ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ ..
قال ابن القيم : " ومن الأدب مع الرسول ـ صلى الله </A>عليه </A>وسلم ـ : " أن لا يُتقدم بين يديه بأمر ولا نهي ، ولا إذن ولا تصرف حتى يأمر هو وينهى ويأذن ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (الحجرات:1) ، وهذا باق إلى يوم القيامة ولم يُنْسَخ ، فالتقدم بين يدي سنته بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته ، ولا فرق بينهما عند ذي عقل سليم .." ..
????- زائر
مواضيع مماثلة
» تحميل كتاب 30 قصة بلسان محمد صلى الله عليه وسلم..........
» ماذا حدث بعد قصة ورقة بن نوفل وبعد انقطاع الوحي عن النبي عليه السلام؟...........
» خطباء الجمعة بالقاهرة.. الأزهر لـ"العسكرى": "اتقوا الله"ورموز النظام تركوا مندسين.. والاستقامة: الثورة لم تحقق العدالة.. و"الرحمة": نحتاج ثورة أخلاق.. وشاهين: نردد أحاديث النظام السابق
» هان الود عليه ................
» سيدنا يونس عليه السلام ..........................
» ماذا حدث بعد قصة ورقة بن نوفل وبعد انقطاع الوحي عن النبي عليه السلام؟...........
» خطباء الجمعة بالقاهرة.. الأزهر لـ"العسكرى": "اتقوا الله"ورموز النظام تركوا مندسين.. والاستقامة: الثورة لم تحقق العدالة.. و"الرحمة": نحتاج ثورة أخلاق.. وشاهين: نردد أحاديث النظام السابق
» هان الود عليه ................
» سيدنا يونس عليه السلام ..........................
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى